mardi 25 octobre 2011

تاريخ الفتح الإسلامي للجزائر4

٣- الجزائر تحت ملوك البربر (تابع)
٣.٤- دهية بنت ينفاق الشهيرة باسم الكاهنة:


كانت أميرة على جراوه من زنانة بجبل أوراس. قال ابن خلدون :"وكان لها بنون ثلاثة ورثوا رئاسة قومهم عن أسلافهم، وربوا في حجرها. فاستبدت عليهم و على قومهم بهم. و بما كان لها من الكهانة و المعرفة بغيب أحوالهم و عواقب أمورهم. فانتهت إليها رئاستهم وملكة عليهم خمسا وثلاثين سنة. و عاشت 127 سنة".

و لما غادر زهير القيروان و استشهد ببرقة، أمر عبد الملك بن مروان عامله بمصر حسان بن النعمان الغساني بفتح إفريقية. و كان الروم بعد تخريب سبيطلة يتجهون إلى قرطاجنة. فقصدها حسان و فتحها عنوة ثم خربها. و قضى بذلك على الروم و لم يبق أمامه إلا البربر. فسال عن مكان الشوكة منهم فدل على الكاهنة بجبل أوراس، فاتجه إليها. 

بلغ الخبر الكاهنة فذهبت إلى باغاية و هدمت أسوارها خشية أن يفتحها حسان و يتحصن بها. و سارت من هناك إلى مسكيانة و كانت لها بها حصون. فالتقت بجيوش حسان، و تقابل الجمعان على وادي مسكيانة فاقتتلوا قتالا شديدا وحكمت المعركة للكاهنة. فهزمت العرب و سارت في أثرهم حتى أدخلتهم تراب طرابلس. و أسرت منهم نحو ثمانين. فسرحتهم إلا خالد بن يزيد القيسي فانها أبقته لديها و تبنته.

أصبحت الكاهنة بعد هذا الانتصار ملكة على ما بين السرت و المحيط الأطلسي. و مع إتساع ملكها هذا و انتصارها لم تزل رهبة العرب المسلمين من قلبها و لم تشك في أنهم سيعودون لحربها. و ظنت أنهم مثل الرومان: إنما يحاربون لتين المغرب و خيراته. فقطعت أملهم -على ظنها- بأن أمرت بتخريب المدن و الحصون و نسف العمران ، و قالت لقومها: "نحن إنما نريد المزارع و المراعي و لا شأن لنا بما عدا ذلك".  فعلت هذا من جهة و أتخذت يدا عند العرب من جهة أخرى بتسريح أسراهم و الإحسان إلى خالد. فاحتاطت لنفسها و قومها من جهتين. و لكنها لم تفهم غرض العرب من غزو إفريقية. فكان أمرها ذلك خاليا من الحكمة. فقد أفسدت عليها البربر بذلك فصاروا مضمرين نصرة حسان عليها إن هو عاد لحربها. 

أقام حسان، بعد هزم الكاهنة له، ببرقة بامر من عبد الملك منتظرا إنجاده. و كان عبد الملك في شغل عن ذلك بفتن داخلية. و في سنة 74 جاء المدد إلى حسان ، فخرج من برقة لغزو الكاهنة. و كان على علم بتضعضع مركزها بما كان بينه و بين خالد من الصلة السرية. 

تلقاه البربر و بقايا الروم هذه المرة بوجه غير الأول. فبذلوا له طاعتهم و أمدوه بالأموال. و أدركت الكاهنة خذلان الأمة لها. فتحصنت بعاصمتها و قضت بها ستة أشهر تحت الحصار، ثم غادرتها من نفق و ناوشت العرب القتال من غير ثبات لعدم ثقتها بالبربر.

قال غروت :"بعد أن يأست الكاهنة من النصر و رأت خذلان البربر و اليونان لها، أرادت الانتقام منهم. فأرسلت إلى حسان تعرض عليه إسلامها و إسلام من بقي تحت أمرها، و الوقوف في صفه،  ووجهت ذلك مع ولديها. فلم يقبل حسان و أسر الولدين. و إذ ذاك تاخرت إلى أوراس و كانت لها بنت تدعى بشوشة قد أعدت لها ملجأ  هناك بمكان يدعى جفه. و تمكنت بذلك من دفاع العرب مرارا، ولكنهم دخلو في الأخير ملجأها، ففرت و قتلت في طريق فرارها عند بئر تدعى بئر العطر ثم أطلق عليها بئر الكاهنة. و ذلك سنة ٧٠٥ م ".

و في كلامه هذا نقطتان غير مسلمتين: أولهما أن مؤرخي العرب لم يذكروا أسرحسان للولدين. بل ذكروا أنه عقد لهما على قومهما بعد والدتهما. و هذا هو الصحيح المعروف عند العرب جاهلية و إسلاما من عدم الإساءة إلى الرسول، و الموافق أيضا لما عرف به حسان من الحنكة السياسية، إذ لو فعل ذلك لنفر منه البربر.

ثانيتهما أن غيره ذكر أن قومها دعوها إلى الإسلام لما ايقنوا بهلاكها فامتنعت منه و امتنعت من الفرار أيضا. و من كلامها في هذا الشان ما جاء في موجز الكعاك من خطابها لقومها: "الفرار عار و سبة في وجه أمتي. و التي قادة البربر و الروم ضد العرب يجب أن تموت موت الملكات". و لا شك أن طلبها للإسلام طمعا في النجاة لا عن إيمان إنما هو نوع من الفرار. و يؤيد عدم طلبها للإسلام أنها لو فعلت ما قاتلها حسان. و كل من له إلمام بسيط بتاريخ الإسلام، يعلم أن العرب لا يقاتلون إلا بعد أن يعرضوا على محاربيهم الإسلام أو الجزية. فكيف يعقل رفض حسان لإسلام الكاهنة و هو إنما يحارب لتلك الغاية؟

و الخلاصة أن رواية غروت فيها طعن لأعظم رجل من فاتحي المغرب، و هو طعن باطل. و فيها تنقيص لملكة عظيمة من البربر، و هو باطل أيضا. و كل من ينظر التاريخ بعين الحقيقة يراها درة في جيد تاريخ المرأة لما كانت عليه من حسن التدبير و شدة البأس و صدق الدفاع عن الوطن و الثبات على المبدأ.
  
-من كتاب "تاريخ الجزائر في القديم والحديث " للشيخ مبارك الميلي رحمه الله-

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire